دماء شهداء سيناء... وسفهاء الموقع الأزرق


شهداء قديمة

وكأن كل هذا الوجع لا يكفى لإدماء القلب، وكأن قلوبنا الموجعة ينقصها هؤلاء الذين تمر عليهم كارثة مثل سقوط 12 من جنودنا وأبطالنا شهداء فى سيناء، وكأنه لم يكن.
من أى شباك نصرف أوجاعنا الآن؟! وجعنا على دماء الشهداء، أم وجعنا ممن خانوا هؤلاء الشهداء بتجاهل بطولاتهم فى سيناء؟ كيف وصلنا إلى تلك النقطة المثيرة للغثيان، النقطة التى يحتلها نشطاء وإخوان ومواطنون لا تصيبهم أبناء الفجيعة بالألم بسبب خصومتهم السياسية.
**

لأبطال هناك فى أرض الربو، سيناء أرض الربو، والجنة أرض الرب، الشهداء ارتقوا إلى الجنة، ورفاقهم على عهدهم يقاتلون ويثأرون، والسفهاء على عهدهم شامتون وساخرون ومتبلدون.

أصوات شماتتهم تأتى واضحة من تركيا ومن صفحاتهم ومواقعهم، وسخريتهم من حرب يخوضها الوطن بأجساد أبطاله حاضرة، وقلوبهم متلبدة كما حجر بارد أصم.
ومن فوق جنته فى السماء وأرض فيروزه فى سيناء تبقى عين الإله حاضرة تخلد من ضحى بدمه وتلعن من أمات قلبه بمرض الخصومة والمصلحة.
رحم الله أبطال مصر وجنودها شهداء عند ربهم يرزقون، ولعن الله أرواح المتلاعبين بكل شىء لغرض فى نفوسهم ولمصلحة يهرعون إليها على جثة وطن.
**

أعود إلى الوراء قليلا، وأتذكر شهيدا سبق من لحقوا به فى الأمس، وأجد فى وصيته وربما فى وصية شهداء الأمس تظهر كلمات لاحقة تفضح المزيفون فى الإعلام والسياسة.
أشعر الآن بالوجع الموجود فى بطن كل كلمة كتبها شهيد القوات المسلحة الضابط محمد هارون فى وصيته، أشعر بذلك لأنى أمتلك واحدة مثلها، تتشابه كلماتها، وتتطابق فى بساطة المكتوب.

لى فى أرض سيناء أحبة، رجال يقاتلون فى سبيل وجه الله والوطن، لا يبتغون من وراء قتالهم مغنما ولا شهرة ولا نفوذا كالذى يبحث عنه أهل السياسة والإعلام من خلف قتالهم المزيف والمصطنع على الشاشات.

أحدهم ترك البشرية وألقى فوق كاهلى أنا بحمل ثقيل، وصية من عدة سطور، أتمنى يوما ألا أنشرها وألا تخرج من غمدها، تذكرتها اليوم وأنا أقرأ وصية الشهيد محمد هارون بما فيها من كل بساطة تؤكد أن الرجال الحقيقيين الذين يدافعون عن هذا الوطن هناك فى رملة سيناء وليس الشاشات، فى سيناء أبطال من لحم ودم وفى عالم السياسة والإعلام أبطال من ورق.

على الشاشات يقاتلون لخدمة رجال الأعمال على حساب الوطن، وعلى فضائيات الإخوان فى تركيا يقاتلون فى سبيل وهم مرسى وأستاذية العالم، وعلى صفحات الفيس بوك يقاتلون للحصول على اللايك والشير والشهرة بالنكت والإفيهات، وفى سيناء لم يجد الشهيد هارون أغلى من دمه ليقدمه هدية لمصر، قائلا فى نص وصيته: «أوصيكم عند موتى أن تعجلوا بدفنى ولا تأخروا لقائى بربى.. وألا تقبرونى إلا بعد تسديد ديونى وهى كالآتى: قسط العربية لبنك القاهرة، والأسطى جمال الأسترجى ميدو يعرفه ليه 1000 جنيه. وأخرجوا مبلغا كبيرا عنى علشان لو فيه ديون ناسيها، كما أوصيكم إن كان أخى أحمد إبراهيم هارون موجودا بأن يصلى علىّ الجنازة، لأنه سيكون أكثر ألما وحزنا، ودعاؤه سيكون خالصا طويلا، وفى هذه اللحظة أنا فى أمس الحاجة إلى الدعاء».

أتذكر الآن وصية صديقى وأبكى، كأنهم ينسخونها نسخا ليضربوا لنا معنى بأنهم غير طامعين ولا عابئين سوى بشىء واحد فقط هو حماية هذا الوطن وأهله، أعرف ذلك جيدا فلقد كان صديقى يوم تخرجه من الكلية الحربية رجلا آخر غير الذى أعرف، استبدلوه، أخذوه منا عودا أخضر، وأعادوه إلينا شجرة جذرها راسخ فى أرض، يؤمن تماما بأن دمه وروحه سر ثباتها، ودرع حمايتها من أى زلزال قادم. صديقى الآن يخدم فى أرض سيناء، يهاتفنى من هناك لأطمئن مع كل دفقة حماس فى صوته أن هذه أرض لا يمكن لأحدهم أن يلوثها مادام هو ومن معه حراس لها، وأطمئن منه تماما حينما أسمع جملته المعتادة: هم بيخططوا لاغتيال الروح المعنوية، سلاحنا الأكبر والأقوى، بس مش هيقدروا، عارف ليه؟! عشان كل واحد فينا مستعد إنه يتشال على إيد زميله أو زميله يشيله، وكل واحد فينا عارف إن زميله مش هيسيب تاره ولو بعد حين».
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-